أهلا وسهلا بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى .
عدد المساهمات : 463 نقاط : 9437 التقييم : 0 تاريخ التسجيل : 30/10/2013 العمر : 35
موضوع: السَّوَادُ الأعظم:عَالِمٌ على الحقّ . 07.02.16 17:25
السّواد الأعظم: عالِمٌ على الحق
الإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله
اعلم أنّ الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق، وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض،
قال عمرو بن ميمون الأودِيُّ: صحبت معاذاً باليمن، فما فارقتُه حتى واريتُه في التُّراب بالشَّام، ثم صبحتُ من بعده أفقه الناس: عبد الله ابن مسعود، فسمعته يقول: «عليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة»، ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول: «سَيُوَلَّى عليكم وُلاة يؤخِّرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها؛ فهي الفريضة، وصلّوا معهم فإنها لكم نافلة»، قال: قلت: يا أصحاب محمد! ما أدري ما تحدّثون، قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضّني عليها ثم تقول لي: صَلِّ الصلاة وحدك وهي الفريضة، وصَلِّ مع الجماعة وهي نافلة، قال: «يا عمرو بن ميمون قد كنتُ أظنُّكَ من أفقه أهل هذه القرية، أتدري ما الجماعة؟» قلت: لا قال: «إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة، الجماعة ما وافق الحقَّ وإنْ كنتَ وحدَك»، وفي لفظ آخر: فضربَ على فخذي وقال: «ويحك! أنَّ جمهورَ الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى».
وقال نُعيم بن حمَّاد: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وان كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ، ذكرهما البيهقى وغيره.
وقال بعض أئمة الحديث وقد ذُكر له السواد الأعظم، فقال: أتدرى ما السواد الأعظم؟ هو محمد بن أسلم الطوسي(1) وأصحابه.
فمسخ المختلفون الذين جعلوا السّواد الأعظم والحجة والجماعة هم الجمهور، وجعلوهم عياراً على السُنَّة، وجعلوا السُنَّة بدعة، والمعروف منكراً لقلّة أهله وتفرّدهم في الإعصار والأمصار، وقالوا: مَنْ شذَّ شذَّ الله به في النار، وما عرف المختلفون أنّ الشاذَّ ما خالف الحقّ وإن كان الناس كلّهم عليه إلا واحداً منهم فهم الشاذون، وقد شَذَّ الناس كلّهم زمن أحمد بن حنبل إلاّ نفراً يسيراً؛ فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلّهم هم الشاذون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة، ولمّا لم يتحمّل هذا عقول الناس قالوا للخليفة: يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقُضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون كلّهم على الباطل وأحمد وحده هو على الحق؟ فلم يتّسع علمه لذلك؛ فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل؛ فلا إله إلا الله، ما أشبه الليلة بالبارحة، وهي السبيل المهيَع لأهل السُنَّة والجماعة حتّى يلقوا ربَّهم، مضى عليها سلفهم، وينتظرها خلفهم: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
_________________
(1) قال ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/70 : وكان محمد بن أسلم الطوسي الإمام المتّفق على إمامته مع رتبته أتبع الناس للسنة في زمانه حتى قال : ما بلغني سُنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ عملت بها ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا فما مكنت من ذلك فسئل بعض أهل العلم في زمانه عن السّواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم فقال: محمد بن أسلم الطوسي هو السواد الأعظم، وصدق والله فإنّ العصر إذا كان فيه عارف بالسُنَّة، دَاعٍ إليها، فهو الحجة، وهو الإجماع، وهو السّواد الأعظم، وهو سبيل المؤمنين، التي مَن فارقها واتّبع سواها ولاّه الله ما تولّى وأصلاه جهنّم وساءت مصيرا.
وقال: ولا يوحشنَّك مَن قد أقرَّ على نفسه هو و جميع أهل العلم أنّه ليس من أولي العلم، فإذا ظفرتَ برجلٍ واحد من أولي العلم طالبٍ للدليل مُحَكّم له مُتَّبِع للحق حيث كان وأين كان ومع مَن كان زالت الوحشة وحصلت الألفة، ولو خالفك فإنه يخالفك ويعذرك، والجاهل الظالم يخالفك بلا حجّة ويكفّرك أو يُبدِّعُك بلا حجة، وذنبك رغبتك عن طريقته الوخيمة، وسيرته الذميمة، فلا تغتر بكثرة هذا الضرب، فإن الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون بشخص واحد من أهل العلم، والواحد من أهل العلم يعدل بملء الأرض منهم. [ أعلام الموقعين ( 5 / 388 )]